📜 المقدمة
تُعتبر وفاة وقيامة يسوع الناصري من الأحداث المركزية في الإيمان المسيحي. لكن عندما نتعمق في السجلات التاريخية والدينية والباطنية، تظهر لنا تساؤلات لا يجرؤ الكثيرون على طرحها:
هل مات يسوع فعلاً يوم الجمعة وقام من الموت يوم الأحد؟
هل تتفق الروايات اليهودية، المسيحية، الكاثوليكية، والرومانية على التواريخ؟
هل هناك مصادر أخرى تؤكد أو تناقض التسلسل الزمني التقليدي؟
في هذا المقال، نكشف خيوط هذا التسلسل الزمني الغامض، من خلال مقارنة النصوص الكتابية، السجلات التاريخية، والكتابات الأبوكريفية (المنحولة)، لنعرف إن كان التقويم الليتورجي الذي نحتفل به اليوم يطابق الأحداث الواقعية في القرن الأول الميلادي.
1. التسلسل الزمني المسيحي التقليدي
تقول أغلب الكنائس المسيحية (بما فيها الكاثوليكية والبروتستانتية) إن يسوع صُلب يوم الجمعة العظيمة وقام من الموت يوم أحد الفصح.
هذا التقليد مستند إلى الأناجيل الإزائية (متى، مرقس، لوقا)، التي تذكر أن يسوع مات في "يوم الاستعداد للسبت" (عصر الجمعة)، وقام في "اليوم الثالث".
📌 المشكلة في هذا التسلسل:
من الجمعة إلى الأحد لا يوجد سوى ليلتين كاملتين، بينما تنبأ يسوع في متى 12:40 قائلاً:
"كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، كذلك يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال."
2. التقويم اليهودي وعيد الفصح (الفصح العبري)
توفي يسوع خلال احتفالات عيد الفصح اليهودي (الفصح أو بيساح)، الذي يتبع التقويم القمري العبري وليس التقويم الميلادي الغريغوري.
بحسب إنجيل يوحنا، صُلب يسوع في اليوم الرابع عشر من نيسان، أي قبل عيد الفصح،
بينما تقدم الأناجيل الإزائية "العشاء الأخير" على أنه عشاء الفصح، ما يعني أن صلبه حدث في اليوم الخامس عشر من نيسان.
🕎 نظرية الصلب يوم الأربعاء أو الخميس:
يرى بعض الباحثين أن يسوع صُلب يوم الأربعاء أو الخميس، ما يسمح باكتمال "ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" قبل القيامة.
ويستندون إلى إنجيل يوحنا 19:31 الذي يذكر:
"لأن ذلك السبت كان عظيماً…"
أي أن اليوم الذي يلي الصلب لم يكن بالضرورة سبتاً أسبوعياً عادياً، بل سبت عيد خاص بعيد الفصح.
3. السجلات الرومانية والمصادر التاريخية
📜 المؤرخ الروماني تاسيتوس في "السنين" (الكتاب 15، الفقرة 44) ذكر صلب المسيح بأمر من بيلاطس البنطي خلال حكم تيبيريوس، لكنه لم يحدد التاريخ بدقة.
📜 كذلك المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه "آثار اليهود" (18:3.3)، يذكر أن يسوع صُلب بأمر من بيلاطس، دون تحديد يوم الحدث.
4. تواريخ متعددة في المسيحية الأولى
✝️ تختلف الكنائس الشرقية (الأرثوذكسية) عن الغربية (الكاثوليكية) في موعد الاحتفال بعيد القيامة:
-
تستخدم الكنيسة الكاثوليكية التقويم الغريغوري
-
تستخدم الكنيسة الأرثوذكسية التقويم اليولياني
وهذا يعني أن المسيحية نفسها لا تتفق على موعد محدد لقيامة المسيح.
5. الأناجيل الأبوكريفية والغنوصية
تقدم الأناجيل الغنوصية مثل إنجيل بطرس وإنجيل توما روايات مختلفة عن الأيام الأخيرة ليسوع، لكنها تميل إلى الرمزية أكثر من التركيز على الزمن الدقيق.
أما إنجيل نيقوديموس، فيشير إلى نزول يسوع إلى الهاوية لمدة ثلاثة أيام، وهو ما يعزز فكرة الثلاثة أيام والثلاث ليالٍ.
6. هل تم تعديل التسلسل الزمني عمداً؟
يفترض بعض الباحثين أن تقليد صلب المسيح يوم الجمعة وقيامته يوم الأحد تم تبنيه ليتوافق مع الطقوس الرومانية ولتشجيع الوثنيين على التحول إلى المسيحية، بجعل يوم الأحد (يوم الشمس) يومًا مقدسًا.
وبما أن يسوع أشار مراراً إلى "علامة يونان"، أي ثلاث ليالٍ وثلاثة أيام، فإن التوقيت بين الجمعة والأحد لا يتماشى مع ذلك.
لذا، يعتقد البعض أن يسوع صُلب يوم الأربعاء أو الخميس، وقام من الموت ليلة السبت، أي قبل بداية الأحد اليهودي (الذي يبدأ عند غروب شمس السبت).
7. ملخص: متى مات يسوع وفقاً لكل مصدر؟
المصدر | يوم الوفاة | يوم القيامة | التقويم المستخدم |
---|---|---|---|
المسيحية الغربية (كاثوليك/بروتستانت) | الجمعة | الأحد | غريغوري |
المسيحية الشرقية الأرثوذكسية | متغير | متغير | يولياني |
إنجيل يوحنا | 14 نيسان (الخميس) | 17 نيسان (الأحد) | عبري |
الأناجيل الإزائية | 15 نيسان (الجمعة) | 17 نيسان (الأحد) | عبري |
نظرية الـ 72 ساعة | الأربعاء | مساء السبت | تفسير حرفي لمتى 12:40 |
📌 الخاتمة: هل يهم اليوم بالتحديد؟
بعيدًا عن التاريخ الدقيق، تبقى الرسالة الأهم:
الانتصار على الموت، وأمل القيامة، وتحقيق الخلاص.
لكن لمن يسعون وراء الحقيقة التاريخية، فإن التساؤل والمقارنة بين المصادر هو واجب علمي وروحي.
ربما تم تعديل القصة لتناسب الاحتفالات أو السلطة، وربما كانت الأناجيل رمزية أكثر منها زمنية.
الشيء الأكيد هو أن:
يسوع الناصري ترك أثراً خالداً يتحدى الزمن ذاته.
📚 المراجع:
-
إنجيل متى 12:40
-
إنجيل يوحنا 19:31
-
إنجيل بطرس (أبوكريفي)
-
إنجيل نيقوديموس (أبوكريفي)
-
تاسيتوس، السنون XV:44
-
يوسيفوس، آثار اليهود 18:3
-
التقويم العبري وعلاقته بالفصح
-
دراسة روبرت أندرسون: الأمير القادم (The Coming Prince)
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.